المنسيات عند المرزوقي(ج4)
بما أنني لا أستطيع إنكار ما قدمه العلامة الأستاذ محمد المرزوقي في خدمة التراث والتعريف بالعادات والتقاليد والنبش في ذاكرة الزمن ممن وضعوا بصماتهم من الشعراء.إلا أنني ملزم بالبحث عما هو قريب مني ولا بد لي من إلحاق ما لم يرد ذكره من أفراد وضعوا بصماتهم جلية في ميدان الشعر والأغنية وسجلوا ملاحم بطولية جمعوا فيها بين الشجاعة والكلمة الصادقة التي تفرض التدوين. قد يكون المرزوقي نسيهم أو تناساهم أو مر بهم مرور الكرام ولما لا لم يمهله الزمن وقتا للحديث عنهم ومن هؤلاء الشاعر الكبير (احمد بن غنوم)
هو احمد بن إبراهيم بن غنوم من قبيلة الصابرية التي تقع على بعد36 كم غرب مدينة دوز .وهو فرد من قائمة طويلة من شعراء هذه المنطقة .ولد سنة1885وتوفي سنة 1959 أي عاش 74 سنة .حياته عاشها متنقلا بين الصحراء والمدن ولوعا بركوب المهاري والغناء في الأعراس وخاصة بالقطر الجزائري الذي تربطه بهم علاقة قرابة.وكان متتبعا لأهل الفقه والفتوى ويتردد على شيوخ توزر مما أهله إلى ربط علاقة متينة بالشيخ الميداني الذي كان مستشارا لدي مفتي الباي بتونس حين ذاك .وقد كان لهذا تأثيرا كبيرا في حياته حيث لم يمضي طويلا في طريق الغناء والشعر حتى غير وجهته إلى الذكر وشعر التكفير ومدح(النبي صلى الله عليه وسلم) و الأولياء الصالحين .ولعل ملزومته في صلاة النبي لازالت تتداول إلى يومنا هذا في عدة أماكن وقد عرفها الناس على طريق الإذاعة التونسية رغم عدم التعريف به كما أفاد ابنه:
صلاة النبي طيب في طيب**صلاة النبي طيب صافي
صلاة النبي مسك في الجيب**يظهر إذا كان خـــافي
صلاة النبي فوز عل فــــوز**صلاة النبي فوز عالي
صلاة النبي حوزها حــــوز**تعمـــر إذا كنت خالي
صندوق بالمال مكــــــنوز**لا يهزها سوم غــــالي
تلقاه في يوم لا فوت لا زوز**لا من يوخر التالي
لا بيت بالخيط مطـــــــروز**عرايا النساء والرجالي
في نهارها يجبدوا إحجوج ** قدام مـــولا الممالي
ثم يعود ليقول:
يجــــــــــبدلك حــــجه**لا تهرب لا وين المنجا
يوزن بالسنـــــــــــجه** ثم واحد عل واحد فاز
فيك نرجى يا طير الباز**مدياني ميــجاله زاز
إلي إن يقول :
آفا الميـــــــجــــال** لا عندي في البيت ريال
والوقــــــــت ارذال**والدنيا على دوب الحال
راني موســـــــــال**أ شيخ علينا بطيت بحال
راني مســــــــوال **والمفـــــتاح قداك انحاز .........فيك نرجى يا طير ألباز.
إما في الاجتماعيات فإن رحلته التي قام بها في الصحراء الموحشة كانت سبب شهرته .فهي رد فعل لواقعة وقعت له عندما سلب منه جمله من طرف احد الغزاة من بعض القبائل الليبية وكان أهم ما يقع سلبه في ذلك الوقت الإبل أو الأغنام .عند ذلك ثارت ثائرة الشاعر ولم تهدأ له عين وظل يعالج أوجاعا دفينة جعلته يقرر اللحاق بمن سلبه لاسترجاع جمله او الهلاك دونه .فطلب ممن يظن إنهم ينصرونه مرافقته في رحلته وكانوا على التوالي:
-إبراهيم حشية
-إبراهيم بالحية
-بلقاسم بن عبد الله بن حامد
فتجندوا لنصرته وانطلقوا في رحلة لا تعرف لها نهاية ولما بلغوا مكان اسمه(القلب لسود)تردد زملائه وظهر لهم رأي مغاير وطلبوا منه التراجع مؤكدين له أنهم يطاردون سرابا وهدفا غير محدد لكنه تمسك برأيه ورأى انه من العار الرجوع بيد فارغة والأخرى لا شيء فيها ثم ماذا يقلن النساء عند سماعهن الخبر المخزي .إلا إن زملائه كانوا مصرين على الرجوع فتركهم وواصل طريقه متجهم القلب مكسور الخاطر لتنفجر القريحة بقصيدته الشهيرة:
معايا ثلاثة من بلادي ولوا**ونوحي هذوبي بالدموع أنبلوا
1-ميعــــــــدوا في عشـــــــــــية**وعملوا عمال التعمله الذريه
وما بين بر وبر غروا بيــــــــا**وقطعوا حبالي منين ما يتدلوا
وهاذي جمايل سبقـــــوها فياّ **منين قابلوا لفجوج عنهم كلوا
2-منهـــــــم نواطــــي عــيني**ونعزم على لبيض ندير عويني
يهب الفلك وشيخـــنا معاذيني**ونرقوا لروس الرمل وين تعلّوا
لاش الحيا بعد الغلــــب يزيني**أمّا متتْ والاّ نقتلوا ونقـــــــلّوا
3-مشــــــــــــو مني غـــــــادي**هزوا الخبر مني مشى لبلادي
ويا نفس رومي للثقيل الصادي**الموت خير من ألّي يقولوا ذلّوا
مخاويل نسعاهم بصهد زنــادي**حتى حرام من البغر يحلّـــــــوا
ثم يصف في رحلته وحشة المكان المقفر الذي لا يقطعه إلا مغامرا مثله يتصور ما قد تقوله النساء .أو إنسان امتلأت عروق قلبه سوادا لما عان من القهر والتحدي وما قاساه من جوع وعطش حتى قال مكملا قصيدته:
3-رقـــــراق بـــــــايت حـــسّه**لا كلب ينبح لا دليل يقـــــــصّه
يزوزه ولد بالسير كابس نصه**يداري على النسوان واش يعلّوا
نياق العدو منهم نجيب الحصّه**أليّ عروق قلبه بالسواد تملوا
4-ما مر غلــــــــبة لعــــــــــدا**تلزك على فج العدو وبعــــــــده
وكل من يقيس عليك كسّر سعده**وابري الجوارح قبل ما يتعلّوا
ودّك على زوزال فوقه قـــــــعده**ثلاثين وجبه سيور ما يتحلــــوا
5-ثلاثــــــين وجــــبه ظــــــايل **وستين وجبه غيمهم متهــــــايل
طراشين زينه والقـــلوب غلايل**وجبال شينه يقفلوا ويــــــــحلوا
زدمنا على أم العكاس المـــــايل**مات سيدها وزادوا النياق تقلوا
ويصف زاده ووسيلة تنقله وأسماء أماكن مر منها و اشتباكه مع العدو يوم الجمعة ذلك اليوم المقدس عند المسلمين ولكنه رغم ذلك قاتل من اجل التحدي ووصف المعركة واختلاط الدماء لبعضها البعض وكيف فر العدو بغيا أم كرها كما قال:
6-بالصح عـــــــندي ســــــربه **ومهري معنى بالقدم يتغــــربى
نمرق على تيارت نعــبي القربه**خشوم الوداد يقابلوا ويطلــــوا
ولقيت صدري للثقيل وضـــربه**نهار الجمعه المسامين يصلـــوا
7-دمــــهـــــــــم خلّــــــــيطــــه **فحل الشوايل كني رديــــــــــته
وكل من لطم من غزيهم ردّيته **رجعوا وهربوا من المساند خلوا
وكل من يكثّر في الحديث بهيته** نهار العدوا زي البنات يذلــــوا
ثم يصف كيف التحق بهم العدو وكيف انهم لقنوهم درسا لا ينسى وحلت بهم مذبحة مثل كباش العيد كقوله بنفس القصيدة :
8- لحقــــــــــــــوا بفزعــــــهم **وطمعوا يهاجوا بالسّلب ومنعهم
لقيوا ذراري زيهم تقدعهـــــم **قلّت منعهم في السرير تقلّـــــوا
وزي الكباش مذبحه تشـبحهم **سال دمهم في القلب لا ما خلوا
وأخيرا ينصح السامع بأن لا يرافق نفزاوي كما ورد في البيت الأخير وهذا رأي من تجربة طبعا يهم الشاعر ولو ان هناك من يوافقه الرأي حيث يقول:
10- شعـــــــــنبي وقـــــطـــــــاوي**هذا خيار الغزي كانك نـــــاوي
وباريك كان تخالط النفــــزاوي**يلزّوك شور السامســه يظلــوا
سكر عليهم واقصــد الـدرناوي**يقسم عوينه قبل ما تــوصلّـوا
ثم اردفها ب:
بدلتني بسروال كيف الكاغط**وخليتني وين الثنايا راغت
وكان يقصد إبراهيم حشية الذي خاف أن يتدنس سرواله من طول الرحلة
1- بد لتني بســــــــــــــــــــــــروالك** وخليتني زي المريض الهالك
ودرت الجمل والمكحله وندحالك**ودرت المليحه فيك لا ما صاغت
فعل الفعلته لازمه يبقــــــــــــالك**والشايده رقيت عليك وشـــاعت
2- ابراهــــــــــــــــــيم قالوا عاتي **وشكروه من لبعاد بيه نهـــــــاتي
ودرت الجمل والراحله واستاتي**وبعد ان خرجنا الناس بينا(فاغت)
نحساب يفتي غلـــــبتي وامّاتي **نردوا سلب نزلت أولاد أمّـــــاقت
3- درتكــــــــــــــــــم من صـــــفي** وحطيـــــــــــــتكم فيدي نقبتوا كفي
وما عاد ما عندي عليك مخفي**وحين ما انبرم نوحي الخلوق تراعت
جميل ألي داره كـــيل ليا موفي** لزّيت نفسي للـــــــــعدوا وانطاعت
وواصل رحلته حتى التقى بمجموعة من الغزاة الجزائريون تربطه بهم معرفة قديمة عندما كان يزورهم في مناسبات الإعراس فواصل معهم طريقه وظلوا متنقلين من مكان إلى أخر يغزون غزوة تلو الأخرى
وشاءت الصدف آن التقى ذات غزوة بزوجة احد زملائه وهو بلقاسم بن عبد القادر الذي كان يغني معه بالاعراس فأوصاها له بعدم الالتحاق بهم ولكنه لحق ومات .وهذا الرجل أي بلقاسم كان قد رحل إلى ليبيا مع منصور بوراوي عندما تمردوا على الجيش الفرنسي سنة 1914 (راجع المنسيات عند المرزوقي ج2)
لم يسترجع احمد جمله ولكنه استرجع قطيع ابل كبير وعاد مظفرا وبدأ يغني
(معايا ثلاثه...) و(بدلتني بسروال...)
حيث افتضح أمر الجماعة
ولأحمد بن غنوم عدة قصائد غزلية أهملها ابنه بصفته إمام بجامع حتى لا يقال عنه مازال يتعامل مع نصوص والده الغزلية وهذا خطأ وقع فيه الكثير من المتزمتين
أما الذين عاصروه من الشعراء نذكر
- بلقاسم بن عبد القادر
- سالم أكفاخ
- الحاج الفاتحي
ومجموعة أخرى قد نأتي على ذكرها مرة أخرى
وروي عنه انه جاء للغناء بأحد الاعراس فوجد مجموعة شباب يتغنون ولم يفسحوا له المجال فترصد غفلة منهم ودخل يغني ليستهدفهم مباشرة موجها اللوم لأهل البلاد كيف يقدمون الصغير على الكبير وذاكرا أسماء أترابه وذلك بقوله:
يعطي بلاد كم يخذه عجوله**هدوا الحشوا ونسوا الفحوله
ليقول:
ســــــــــالم بـــــــــــحر**وبدّه واد لجــــاته المطر
بريّك بير في حقفه نقر**حابس ماه ما فبه البلوله
ولازلنا أيها القارئ الكريم بصدد البحث عن بقية قصائد احمد بن غنوم الغزلية التي قال عنها ممن عرفوه بأنها رهيبة ومن السهل الممتنع وفقنا الله وإياكم والي آن نلتقي في مداخلة أخرى من المنسيات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق