الأربعاء، 12 مايو 2010

عناصرالرحلة في الشعر الملحون(مايسمونه الضحضاح)

مهرجان الفوار- للأغنية البدويةالدورة (2)-الفوار2010


مداخلة فكرية

الرحلة كغرض

الرحلة في الشعر الملحون

يقال عنها الرحلة. وفي مصطلح الشعر الشعبي يعبر عنها /بالضحضاح/ والرحلة هي غرض من الأغراض المتداولة في الشعر الملحون كالغزل /أوالبادية/ أوالفروسية / أوالهجاء / أوالمدح / وغير ذلك.

وللرحلة عناصر ثابتة لا بد أن تتوفر وقد يقع العديد من الشعراء في عدم الالتزام أو السهو عما تتطلبه الرحلة من عناصر ثابتة لابد من ذكرها . مثل : ذكرالسبب /والزاد/ والوصف/ ووسيلة التنقل

-1-الاسباب:

يكون سبب الرحلة لعدة أغراض مثل الالتحاق بحبيبة طال غيابها أو الرجوع إليها من بعد غياب فيتحدث الشاعر عن الشوق وطول الغياب والمعانات من جراء هذا الفراق الصعب. ثم يبدأ بالتمني لعودة أو ذهاب الى ديار تلك الحبيبة لينهي آلامه وأوجاعه واشتياقه .

ولعل من ابرز ما يظهره وصف الحبيبة وصفا قد يجعل السامع يشاطره الرأي حيث يظهر له صورة الحبيبة في أروع ما يكون حتى أن بعض النقاد انتقدوا ما يصل إليه بعض الشعراء في وصف الحبيبة بأنه يجردها للسامع ويقدمها عارية. وخاصة عندما يشرع في وصف المفاتن في جسدها

اما السبب الثاني
وهو موجود ولكنه بدرجة اقل بكثير من الأولى وهي رحلة لزيارة قبر الرسول-صلى الله عليه وسلم يكون لها نفس الاستعداد من حيث الزاد ووسيلة النقل غير أن الوصف يبقى ناقصا مهما حاول الشاعر لأنه يحاول وصف خير من سعت به قدم (رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم)فيلجأ الشاعر الى وصف مشاعره وشوقه إلى تلك الأماكن المقدسة حتى يصل لدرجة البكاء و لابد للتفطن إلى الحالة النفسية للشاعر وخاصة عندما يكون قد تقدم به العمر

ويوجد سبب ثالث للقيام بالرحلة وهو العودة من الغربة مثل قصيدة /علي بيلة/ وقصيدة /علي العرضاوي / وهي قصائد معروفة بالجنوب التونسي وهناك سبب غير متداول بكثرة وهي رحلة الغزو مثل الرحلة التى قام بها الشاعر احمد بن غنوم سنورد منها بعض الابيات عندما نأتي على ذكر النماذج

ويبدأ الشاعر بالحديث عن رحلة مجهولة العواقب واصفا قبح المسافة وكيف تتغير تضاريسها من مكان لآخر وما يحتويه محيطها من مخاطر الزواحف السامة والحيوانات البرية المفترسة حيث أن الاستعداد لا بد أن يكون مدروسا دراسة ضافية من عدة نواحي كوسيلة التنقل –سواء كان جمل مهري- أو حصان له أوصاف خاصة تمكنه من قطع هاته المسافة الشاقة

وقد تحدث البعض على القيام بهذه الرحلة مشيا على الإقدام كما ورد برحلة الشاعر-بو رخيص الدغاري-من تطاوين- أما الحصان فقد استعمله العديد من الشعراء من بينهم البرغوثي في رحلته الشهيرة بقافية (حرف القاف) آق

مثل ما قال:
الله لا كـــوت هبَّاق** في الحري سبـاق غدي سيرته مـوش قلاق**مطلوق إيده وساقه
ولد الكحيلي بتحـقاق**جابوه سُـرَّاق باعوه بيـعان تدراق**قبلو ثلاثـــين ناقـــــــة
أزرق كما صم الامـداق**في اللون يُغماق مرشوش ترشريش لوجاق**دارة بداره صفاقة
مهدول ريشات لشداق**في الصرع لهماق عيونه كما صُلْ بلحاق**تغلق وتفتح انشـاقه
أغذن وودنيه تلباق**وكرومته اشناق عرصة جـهل بني عملاق**في برج طاحت انطاقه
صدره كما صيد الاخناق**وقوايمه رقــاق وحوافره مـثل الاطـباق**والعـاج أســودحواقه

.أما محمد الطويل فقد اختلف مع البرغوثي و/بورخيص/ في اختيار وسيلة التنقل فرأى انه لايمكن حتى للحصان قطع هاته المسافات فما بالك بمن تحدث عن قطعها مشيا على الاقدام. ومن هنا برز بيت محمد الطويل كمعارضة ان صح التعبير للبرغوثي وبورخيص

حيث قال:

لا يقطعه حصان ولوال** بركاب ونعال **لا عبد بالرجل هذوال** تصعب عليهم امياله

تمنيتله كـــــان زوزال** يحماريحجال **رافع على البل شنقال** مع الباي واخذ نفالة

وللرحلة مقاييس مختلفة تلاحظ من خلال النص -أن الشاعر عاشها فعلا
- أو أنه مر من ذلك الطريق سابقا
- أو استوحى القصيدة من مخيلته الشعرية
.فالذي عاش الرحلة يورد جزئيات لا يتفطن لها إلا القليل
وأما الذي له معرفة بالطريق فتجده يوغل في أسماء الأماكن. بينما المعتمد على خياله الشعري يجرك إلى وصف جميل في جميع المراحل متحاشيا أسماء الأماكن ومبتعدا عن وصفها للسامع وهذا بديهي لمن لا دراية له بالاشياء

-2- الزاد

وكلمة الزاد تعني زاد القائم بالرحلة وزاد وسيلة المركوبة فلابد من ذكر هذا العنصر وإلا وقعت القصيدة في النقصان ويعبر عنها بالدارجة( قصيدة/منقوبة) وقد وقع العديد من الشعراء في هذا النقصان ولم تكتمل عناصر الرحلة لديهم كما هو مطلوب. وكثيرا ما تتعرض قصيدة الرحلة إلى عدة شوائب أخرى تجعلها عرضة للنقد ليس من حيث ما ذكرنا آنفا ولكن من حيث المعنى وربط الاحداث ببعضها البعض
مثل ما ورد عند الشاعر بلقاسم عبد اللطيف في رحلته أو /ضحضاحه/

حيث قال:

لقيتها يوم ميراد **عالبير وراد**لاغيتها بعين نشاد**لا باس خـــــــــــــــــير النكاده

هفى دمع لرماق بداد**والقلب نهاد**وعرفتها كمت لجحاد**خافت حديث الــــــــعواده

وحلفت لا نهجع رقاد**لا نشوفش اسهاد**لا نذوق مطحون لفاد**حتين نوصل ارداده

وعملت عالرب معماد**ونويت مسقاد**لفجار والطير غراد**والليل قـــــــشع سواده

حيث نرى هنا أن الشاعر التقى بحبيبته على البئر وهذا يعني أنها من مكان قريب يجلب ماءه من نفس البئر مما يدل على أن الرحلة مصطنعة ولا داعي للقيام بها

*اما النماذج الشعرية فتتعدد على اختلاف انواعها في العناصر المذكورة كما يلي:

في سبب الرحلة من اجل لقاء الجبيبة

يقول الشاعر محمد نبيخة
رقراق رجاني دون سود انظاره**تاسيليا وواد نيهروا واقفاره

دون نــــــــــاير خـــــــــــــــده ** شينك فـــيافي موسعه من رده

خمسين رحلة متممات العـــده ** ثلثـــــــينهم خالى بلاش عماره

دون من غثيثه فوق كتفه هده ** صغير من قدانا ما ترده حزاره

*اما في ما يخص رحلة المشتاق لزيارة قبر الرسول (صلى الله عليه وسلم) فيقول
الشاعر بوبكر بناجي :

نور قلبي وذني وعيوني**شاهي نطل قداه

لمكنتي دونـــــه ردوني **عل مـــراد الله

وفي الرجوع من الغربة يقول الشاعر: الحبيب عبد اللطيف

نحمد مولايكيف نروح لبلادي**ويظل معاي صربه اخوتي وانــــــدادي

من بعد شقاي يهنى نومي وارقادي**وتظل احذاي لسبط ريم الشرادي

وفي رحلة الغزو

يقول احمد بن غنوم يصف هول رحلته التي هي بمطلع:

معايا ثلاثه من بلادي ولوا**ونوحي هذوبي بالدموع انبلوا

ثلاثـــــين نــــــوبه ظــــــــايل **ثلاثين نوبه ضيمـــهم متــــهايل

طراشين شينه والقلوب غلايل**وجبال شينه يقـــــــــفلوا ويحلوا

وحدرت عل مولا العكاس المايل**مات سيدها وزادو النياق تقلوا

وفي بيت آخر يقول:

مع الزد عنــــــــــــــدي سربه**ومهري معنى بالقدم يتغربل

نمرق على تيارت نعبي القربه **خشوم الوداد يقابلو ويطلول

ولقيت صدري للثقيل وضربه**نهار الجمعه المسلمبن يصلوا

*الــــــــــــزاد

مثل قولة الشاعر جريح القوافي

ووفيت في الزاد زايد زياده**وقربة العاده** واخراج طفحوا ملايا بناده

وسنقي من الجد ورثة اجداده**صنع الهناده**لا يوم دخلت لكير الحداده

وسلاح صيني يقربع زناده**جمع وفـــراده**الوح على بعد ماله احداده

على الله ناوي نجيب الافاده**المده طويــله**وداخل على بر فلاّّق خيله

ويذكر شاعر جزائري الزاد ووسيلة النقل في آن واحد قائلا

متمني ومناي عشقه**زوز جمال رضاة عيني
واحد أبيض علام لقّه**ولاخر أصفر نحاس صيني
يهقّوا لثنين فرد هقّه**هق الكدرون عل حضيني
لصفر برفايده موقّى**يهز القربات والعويني
لبيض تعلى عليه نرقى**يسيّس في سيرته بنيني


- وقد تداولت الأوساط الشعبية أن هذا الشاعر قد عثر فعلا على الجملين المذكورين ولكن الحادثة قد مرت عليه عرضا ولم يتفطن أن الوصف الذي أورده في القصيدة ينطبق على الجملين ألا بعد مرور فترة زمنية

*اما فيما يخص الوصف

في وصف وسيلة التنقل


يقول الشاعر محمد نبيخه وقد اختار هو الاخر الجمل:

ودّك على برنـــــــــــــــــــــــــــاوي ** عريض دف ومبرم ذرعته قاوي

على الجري يسترحل كما العيساوي ** ونفسه على طول المدى صباره

ومولاه في فج الخلا متقــــــــــاوي ** رافـــع من مخــير جعب بوحاره

ويقول جريح القوافي

ضحضاح خممتله في رديعه**اليقطع وسيعه**نديره رفيقي ولاخر نبيـــــعه

بوخف وافي ويطبع طبيعه**والصدر سيعه**مشرع على البل قايم شريعـــه

مانيش بادع في كسبه بديعه **مولى نفيعه **لمولاه يصبر يجاوب يطــــيعه

سطاش مره جوني لبيعه** وما لقوش حيلة** ورجعوا مغاليل سبوا الدويله

أما الشاعر سالم بوخف فقد أبدع في وصفه لمركوبته هو جمل وذلك في قصيدة

رقراق دونك يا ظريف انيابه**حفز دار عل روس الخشوم ضبابه

وذلك بقوله:

رقراق يا ما شــــــــــــــــفه**جاء دون من يلبس غميق مرفى

ودك معفى قمزته بالخـــــفه**ذرعته صنفه وخطوته مصوابه

العروج هفىكل جيهه ضفه**حزق ظلع دفه السيرتحت كرابه

قاصد علـــــــــــــــــــيه بلادي**بلا زاد داير خالقي معمادي

يهودب يدادي يزوز في لرداي**قطع انهادي وتر قلبي جابه

لاهو جرادي قبح في لضوادي**اريل حمادي قامحات اكلابه

لاهدر في نيــــــــــــــــــاقه **لاقسم سارح من حليب فهاقه

اشقر صفاقه ريم في رقراقه**مجرود ساقه مدورات اكعابه

يروجو حلاقه محزمه يتلاقى**يحرم مذاقه اذا قصد احبابه

آبيات جميله ووصف أجمل غير إلا انه وقع في خطأ في المعنى هو الآخر/ وذلك بقوله :يحرم مذاقه إذا قصد أحبابه . ومن سياق البيت فالمعنى يعود على للجمل ولكن الشاعر يقصد نفسه لأن تحريم المذاق شيىء مقصود والقصد عادة ما يكون بفعل العاقل

*أما في وصف الحبيبه

فيقول الشاعر.احمد بن سالم البرغوثي

نوصل قدا روح الاغلاق***عمــــــهوج مرهاق

وغثيثها طـــــاح هدراق***في لون الاغســــاق

وجبينها برق خـــــــفَّاق***تحت الردايف شراقه

حواجب جداويل تُـعراق***نونين في صــــــداق

في ايدين كتَّاب علـــاَّق***روى خطهم بالرياقة

وعيونها ريم دحَّــــاق***رتَّـــــــــــــاع الابـراق

جفل شاف صيَّاد بنداق***جاء قانصة باشتفاقة

ويقول جريح القوافي

يقابل على البعد ماهوش عادي** الحايز مرادي**ضحاضيح شينه وقداش وادي

تعجبت غي اهلها والعبــــــادي**الزازوه عــادي**وتقــــوا علي ريم بيها انادي

الي عيونها يصهدو بالصهادي**والزيـــن بادي**وغثبث هابظ مكــــدس ربادي

حدر على زوز طعم الشهادي** المنهم انكادي**تمنيتهم دوم ديــــــــما اوسادي

والجوف ضامر ينقل يدادي **قطع الحمـادي **وباقي التبــــــــقى نستر مرادي
وثماش منهو الواقغ اسنادي**يجيني اللــــيلة** يخاطر معايا قدى عـــوم جيله

*وصف الطبيعة

يقول نفس الشاعر

يقابل على البعد غيمه متوق**شهيلي مروق**الوجوه منه تجــــــبد تغوق

لا امياه لا ابيار تروي لمعوق**عطشها يهوق**توهيق لا هي كلمة مهوق

قداش ماذا قتل من مشوق**مسافر منــــــــوق**يقعد فريسة اذياب التعوق

حتى رشاده اسود محوق **مجوجي مبوق**من البعد تسمع صفيره يفوق

حكرت نلقى المخاطر اطوق**قلبي حلــــــيله**ثماش منهو اليشفي غليله

و يقول الشاعر محمد نبيخه واصفا احد الاودية وصفا دقيقا

واد نيــــــــهروا وغيــــــــــــومه ** شمّخ جباله عاليـــــــات خشومه

جبل شين ما تفرز منين تحومـه ** من لرض راقي مســــتوي سطاره

جاء الواد خلى خنقته مقسومه ** هشم شق عل وسطه انقسم شطاره

وصف الاهوال يقول جريح القوافي

يرعب من البعد ضحضاح خايب**حاز الحبايب**بالغيم شابك وربى المذايب

تنغرق تحوم ودارت جلايب**والضبع سايب**عل امثال مثلي يحوم سبايب

وخنق وجبال دارت عصايب**وياسر نهايب**واغتر والـــهوش اير جلايب

سموه من قبل بر الحجايب**بكله نكايب**الثعبان يرعب منــــــــقط طبايب

خممت نهرات والقلب ذايب**حامل مصايب**كانش من الرب يعملش نايب

تهبهبش بالخير بعض الهبايب**تعدل الميله**وتسهال بيني وبينه الصـله

نماذج من كتابة النصوص

عايش الرحلة:مثل بن غنوم

ومثل محمد نبيخه
في رحلته عائدا إلى ارض الوطن ومن الأرجح أن القصيدة كانت بمساعدة زميله عبد الله بن قريره حيث يقول في احد المقاطع وهو يخاطبه:

رقراق غيــــــــــــــمه تعلى** بطال ما تــــــــــــوجدش فيه الفله

مزازات فج البرق يا عبدالله**القور والرميله والـــصعيده اشواره

/وهوهانت/وحفت جبل /تاهله/**وواد النضاوي يجيك في التحداره


وتتوالى الأسماء حسب خبرة الرجل وتمكنه من معرفة الطريق وذلك بقوله:

رقراقر شين امــــــــــــــزانه**واد النصارى مرشقه كيفانه

وجبل /تاملتو/مع معطــــــانه**نواظير منصوبه عليه اماره

سرير/وادتنقوشاي/فيه بيانه**قرارات تعقب عالطريق يساره

صاحب خبرة بالطريق :

مثل قول الحبيب عبد اللطيف في دونك ياسمع التسهيدة عندما يصف مكان يعرفه جيدا وينصح فيه السامع بعدم الاطمئنان وذلك بقوله:

غابة زلفان فيها نعطيك اماره**بالك تطمان راهي مختل غواره
ثم يقول:
كانك خــــــــــــــابرها** فوسانه واوهــام شجرها

قبلتها الشبكه موعرها** فيها الهوش كثر غريده


نص المخيلة:

أكثرية شعراء هذا العصر يقلدون صورا مما وجد لديهم من موروث شعراءعاشوا الرحلة ويضيفون عليها ما امتلكوا من سعة خيال وما تستحضر أذهانهم من صور شعرية تزين القصيدة وقد تجعلها في بعض الأحيان تفوق تعبيرا ما سبقها من كتابات الاجيال السلبقة
وقد يتساءل البعض عن مدى جدوى كتابة الرحلة في عصراختصر الرحلات في ساعات محسوبة مما افقدها نكهة المغامرة ولذة التعب والمعاناة من اجل بلوغ الهدف
ولعلنا نرى ما يسعى اليه السائح الاجنبي اليوم لتقليد رحلة صحراوية قد تبدوا لنا بسيطة ولكنه يقيسها بمقاييس أخرى ومن وجهة نظر اخرى
اما من وجه نظرنا نحن فنرى انه لا داعي الى الرجوع الى الورى كقول
جريح القوافي :

بلحظان تمت الرحلة المــــريره**وكانت شهــيره**في تاريخ ماضي جبدنا نظيره
سموه ضحضاح اهل الخـبيره**واليوم غـيره**غيـر وبدل وبقت
سيره
الضحضاح ولى مسارب مريره**وتقدر تقــــيله**في الجو تقطع تفوته بهيله